تحظى مدينة "يلوا" شمال غربي تركيا بشعبية كبيرة لدى السياح من مختلف الأقطار العريية والغربية، نظرًا لما تتمتع به من معالم سياحية وتاريخية إضافة إلى العديد من الميزات الأخرى، والتي جعلت منها أيقونة سياحية بامتياز وبشهادة كل من زارها وأقام فيها.
وفي هذه المادة تقدم شركة "عمران ترك" لمتابعيها، لمحة مفصلة عن تاريخ مدينة "يلوا"، وعن أهم المعالم التاريخية والأثرية فيها.
تاريخ مدينة يلوا
يروي مؤرخون بأن مدينة "يلوا" كانت موطن العديد من الحضارات التي يعود تاريخها إلى عام 3000 قبل الميلاد، وقد كانت أيضًا خاضعة لحكم مملكة بيتينيا بعد أن حكمها الحثيين والفريجيين والفرس لفترة زمنية قصيرة.
وحَكَم مدينة "يلوا" الإمبراطوريتان الرومانية والبيزنطية حتى عام 1326، ومن بعدها خضعت لسلطة الإمبراطورية العثمانية في عام 1326.
ارتبطت "يلوا" بمدينة إسطنبول عام 1930، بإيعاز من مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، الذي أولاها أهمية بالغة، حتى أنه قال " “يالوفا مدينتي".
وحسب الروايات التاريخية، فإن "يلوا" كانت من أبرز المدن في زمن الإمبراطورية اليونانية، والتي سُمِّيت بمدينة “بايلي” التي تعني البوابات، حيث كانت تشكل حينها ممرًّا هامًّا إلى القارة الآسيوية عن طريق عبور بحر مرمرة من جهة أوروبا.
وفي تاريخ تركيا الحديثة كانت “يلوا” من المدن المفضلة لمصطفى كمال أتاتورك، والتي قضى فيها السنوات الأخيرة من حياته، وفي العام 1995 تم فصل "يلوا" عن إسطنبول، لتنضم لى قائمة الولايات الـ 81 التركية.
احتل الرومان المنطقة عام 74 قبل الميلاد، وبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية ، كانت المدينة جزءًا من الإمبراطورية البيزنطية.
في العصور القديمة وفي معظم العصور الوسطى ، كانت المدينة تُعرف باسم Pylae أو Pylai وفي اليونانية يطلق عليها اسم Bithynia ، وهي كلمة يونانية تعني "البوابات" ، حيث كانت في بداية أحد الطرق الرئيسية المؤدية إلى آسيا لمن عبر بحر مرمرة من أوروبا.
مؤرخون آخرون ذكروا أنه كان لمدينة "يلوا" أهمية استراتيجية خاصة في الفترة البيزنطية، وذلك بسبب موقعها الجغرافي، إذ كان "الأباطرة" يستخدمونها كنقطة إنزال من "القسطنطينية ".
وفي هذا السياق، أشار المؤرخون إلى أن الإمبراطور "هرقل" هبط فيها عام 622، في بداية هجومه المضاد ضد الفرس، كما فعل "رومانوس الرابع ديوجين" نفس الشيء عام 1071 ، في طريقه إلى معركة ملاذكرد.
وفي القرن التاسع، حسب ما وثّق المؤرخون، كانت "يلوا" موقعًا لإحدى المنارات التي تنقل الأخبار من الحدود مع الخلافة العباسية، وتضمنت نزلًا إمبراطوريًا للمسافرين.
تم دمج”يلوا” في أراضي الإمبراطورية العثمانية، وكانت جزءًا من "سانجاك قوجالي"، وكانت تُعرف على التوالي باسم "يالاك آباد" و "ياليوفا".
ووفقا لإحصاءات السكان العثمانية عام 1914 ، بلغ مجموع السكان في "يلوا" 21،532 نسمة، منهم 10.274 من الإغريق، 7.954 من المسلمين، و3،304 من الأرمن .
في 5 أيلول 1920، احتلت القوات اليونانية "يلوا" خلال حرب الاستقلال التركية، لترتكب القوات اليونانية خلال فترة احتلالها للمدينة مذابح في شبه جزيرة "يلوا".
بدأت القوات اليونانية ، التي كانت متمركزة في مناطق "أدا بازاري، يلوا، صابانجا، كانديرا، إزميت"، بالتحرك في البداية نحو بورصا وفيما بعد إلى منطقة "إسكي شاهير" بعد الهزيمة اليونانية في معركة "إينونو" الثانية لتركيز القوات على خط (بورصا-أوشاك) ومهاجمة الأتراك في "أفيون قره حصار، وإسكي شاهير وكوتاهيا"، واستغلت القوات التركية التي انتظرت وراء نهر سكاريا ، هذه الفرصة وهاجمت القوات اليونانية لتحقق نصرًا ساحقًا عليها.
تم تحرير "أدابازاري" في 26 يونيو 1921. و" إزميت" في 28 يونيو 1921، و"يلوا" في 19 يوليو 1921.
وأصبحت "يلوا" عقب تحريرها مركزًا للمقاطعة في منطقة "كارامورسل" بمقاطعة "كوجالي" ، وأصبحت مركزًا حيًا في مقاطعة إسطنبول عام 1930، قبل أن تصبح مقاطعة مستقلة (ولاية) في عام 1995.
مجزرة يلوا التاريخية 1921
وقعت مجزرة "يلوا" في أبريل ومايو 1921م، حيث قام اليونانيون والأرمن بارتكاب ما لا يحصى من الفظائع ضد المسلمين في "يلوا"، حيث أحرقوا كل قرى المنطقة (ما يقرب من 27 قرية مسلمة)، وقتلوا حوالي 10 آلاف مسلم، غير الاغتصاب والتشريد، حسب مصادر متطابقة.
وكتب المؤرخ البريطاني "أرنولد توينبي" عن فظائع ارتكبت منذ الاحتلال اليوناني لـ "إزمير" في 15 أيار 1919، لافتًا إلى أنه كان شاهدًا على الفظائع التي ارتكبها اليونانيون في "يلوا"، جمليك، وإزميت، إضافة إلى أنه كان شاهدا على المنازل التي أُحرقت ونهبت، إضافة لكثير من الانتهاكات التي ارتكبها اليونانيون.
و ذكرت لجنة مشتركة للحلفاء من الدول الأوروبية في شبه جزيرة يلوا- جمليك، في تقريرها الوارد بتاريخ 23 مايو 1921، خلال فترة الاحتلال اليوناني لغربي الأناضول ما يلي: " بدو أنه كان هناك طريقة مميزة ومنتظمة متبعة في تدمير القرية تلوَ الأخرى، خلال الشهرين الماضيين، والتي وصلت حتى تدمير الأحياء قرب مقر القيادة اليونانية. يعتبر أعضاء اللجنة أنه في كازاس من يلوا – جمليك المحتلة من قبل الجيش اليوناني، توجد خطة منهجية لتدمير القرى التركية والتخلص من السكان المسلمين. ويجري تنفيذ هذه الخطة من قبل العصابات اليونانية والأرمنية، التي يبدو أنها تعمل وفقاً للتعليمات اليونانية وأحياناً بمساعدة من القوات النظامية".
وذكر ممثل لمنظمة الصليب الأحمر في تقرير: "استُخدم جيش الاحتلال اليوناني لإبادة السكان المسلمين في شبه الجزيرة (يلوا – جمليك). تشمل الوقائع الثابتة حرق القرى، المذابح وإرهاب السكان، حيث أن تزامن المكان والزمان لا يترك مجالا للشك في هذا الخصوص. والفظائع التي شهدناها، أو التي شهدنا أدلة مادية عليها، قامت بها عصابات مسلحة غير نظامية من المدنيين (تشيتي)، ومن وحدات من الجيش النظامي... وبدلاً من تجريدها من السلاح وتفكيكها، تعاونت هذه العصابات في أنشطتها جنبا إلى جنب مع وحدات من الجيش النظامي".
يذكر أنه بالتزامن مع الاحتلال اليوناني لمدينة إزمير صيف عام 1918، نظم الأتراك حركات مقاومة من أجل إنقاذ وتحرير وطنهم من الاحتلال الغربي. فيما أخذت حركات المقامة التركية طابعاً مركزياً بعد وقت قصير عندما وطأت قدم "مصطفى كمال أتاتورك" ميناء سامسون في 19 أيار 1919، معلناً بدء النضال الوطني التركي في حرب التحرير والاستقلال التي استمرت من عام 1919 لغاية عام 1922.
وفي منتصف أيلول 1921 تحولت موازين القوى لصالح المقاومة التركية بعد الهزيمة المذلة التي ألحقها بالقوات اليونانية في معركة سقاريا التي وقعت بالقرب من العاصمة أنقرة بين 23 أغسطس/آب و13 سبتمبر/أيلول 1921.
وبعد تحرير إزمير، تحرك الجيش التركي باتجاه جمليك ومودانيا محرراً إياها يوم 11 سبتمبر/أيلول، فيما اكتمل طرد الجيش اليوناني من الأناضول في 17 سبتمبر/أيلول 1922. وكان الأمر كما وصفه المؤرخ جورج لينتشوفيسكي: "حالما بدأ الهجوم تحول إلى نجاح باهر. خلال أسبوعين قاد الأتراك الجيش اليوناني إلى البحر المتوسط من حيث جاؤوا".
السكان في يلوا
تركيبتها السكانية متنوعة وتخلط بين عائلات إسطنبول، والقرم وبلغاريا وداغستان، وغيرها الكثير، وقد حافظت هذه الجماعات على ثقافتها وتراثها الأصيل، فكانت نموذجا لانسجام وتعايش الثقافات المختلفة، في منطقة واحدة.
أبرز المعالم في يلوا
تضم مدينة "يلوا" عددا من الأماكن السياحية المشهورة والمميزة وأهمها:
الكنيسة السوداء
تم تشييدها منذ العصر الروماني، حيث كانت في بداية الأمر مستودعًا للمياه ثم تحولت لدار للعبادة بعد الفترة البيزنطية.
تشوبان قلعة
تقع قلعة تشوبان أو قلعة الراعي بالتركية (Çobankale ) على طريق الحرير بالتركية ( Silk ) التاريخي في الوادي الممتد من الجنوب إلى الجنوب في منطقة Altınova في "يلوا"، وتبعد حوالي 7 كم من هيرسك و 2 كم من قرية (Soğuksu Ayazma). الجنوب.
قرية ترمال
تعتبر من أشهر المعالم السياحية، وتشتهر بينابيعها المعدنية الحارة التي تنبع من أعالي تل تيرمال منذ العصر الروماني، حيث تتراوح حرارة المياه في هذه الينابيع بين 55 – 65 درجة مئوية.
ومن المعالم السياحية والتاريخية الأخري
متحف يلوا، قصر أتاتورك، القصر المتحرك، المتحف الإنثوغرافي، متحف الورق، قرية غوني كوي، قرية سوباشي، مسجد هرسك زادة أحمد باشا، مسجد رستم باشا.
بحيرات بلا قاع
تقع على مسافة ما يقارب 10 كم من مدينة تشويقية وطريقها إسفلتي بالكامل. هي منطقة خاصة من حيث الغابات الغنية بالنباتات والحياة البرية حول بحيرة كبيرة لا قاع لها على ارتفاع 530 متراً على مسافة 2.5 كيلومتر من غابة المدينة وبحيرة صغيرة بلا قاع على ارتفاع 570 متراً على ارتفاع 1.5 كم من هذه البحيرة.
حديقة ناتات كاراجا
أول حديقة نباتات خاصة في تركيا. تحتوي على حوالي 7 آلاف نوع من أنواع النباتات المختلفة.
هضبة دَلَمجة وكارليك
من أشهر هضاب يلوا، وتتمتع هضبة دلَمَجة بجمال طبيعي فريد من نوعه، وكل طرق أسفلتية وتغطي مساحة مسطحة كبيرة جداً. يوجد بها مصدر مياه شرب يعرف باسم مياه الشفاء.، في حين توجد جميع أنواع أشجار الغابات والنباتات المتوطنة في هضبة كارليك.
بحيرة هرسك ومرصد الطيور
البحيرة تعد مأوى ومصدر طعام وتكاثر للعديد من الأنواع، وخاصة الطيور المائية، نظراً لحقيقة أن البحيرة لا تتجمد في الشتاء، فمن الممكن رؤية العديد من أنواع الطيور، وخاصة طيور النحام والبط، على سطح البحيرة، خاصة في سنوات القحط. يوجد أيضاً برج مراقبة طيور ومركز معلومات.
وشهدت مدينة "يلوا" التركية تطورات هائلة في الفترة الأخيرة، ويرجع ذلك إلى أنها تتمتع بموارد ومناظر طبيعية خلابة، فضلا عن موقع متوسط بين الولايات الرئيسية الكبرى التركية، إضافة إلى اعتدال المناخ وتوفر الخدمات.